جريمة صامتة تهدد أبنك ، كيف نحمي أطفالنا من التحرش ؟
جريمة صامتة تهدد أبنك ، كيف نحمي أطفالنا من التحرش ؟
بقلم : وليد سلامة – استشاري تربوي ومستشار تعليمي
في خضم انشغال الأسر بتوفير احتياجات أبنائها من غذاء وتعليم ولباس، هناك خطر خفي يتسلل بصمت إلى عالم الطفولة... خطر لا تُرى آثاره على الجسد، بل تترك ندوبها في النفس لسنوات طويلة. إنه التحرش الجنسي بالأطفال، أحد أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا، والتي تتطلب منا وقفة جادة ومسؤولة.
تشير التقديرات الدولية إلى أن واحدًا من كل أربعة أطفال قد يتعرض لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي قبل بلوغ سن الـ18.
وفي المجتمعات العربية، وعلى الرغم من قلة الإحصاءات الرسمية، فإن القصص المتكررة، وارتفاع الحالات التي تصل إلى العيادات النفسية، تكشف بوضوح عن حجم المشكلة وخطورتها.
فحسب منظمة الصحة العالمية، يتعرض نحو 20% من الأطفال حول العالم لتحرش جنسي في مرحلة ما من طفولتهم. وفي العالم العربي، لا تزال ثقافة الصمت والخوف من العار تعيق التعامل العلني مع الظاهرة، رغم تنامي المؤشرات على انتشارها، ما يستدعي تحركًا فوريًا ومسؤولًا من الجميع.
ووفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن نحو 1 من كل 5 أطفال حول العالم يتعرضون لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي قبل بلوغهم سن الـ18.
أما في العالم العربي، فإن التكتم المجتمعي والخوف من "الفضيحة" غالبًا ما يحجب الأرقام الحقيقية، إلا أن التقارير الحقوقية، وشهادات الضحايا، بدأت مؤخرًا تكشف بعضًا من حجم المشكلة.
وتشير تقارير منظمة اليونيسف إلى أن غالبية حالات التحرش بالأطفال تحدث من أشخاص داخل الدائرة المقرّبة: كالأقارب، أو الجيران، أو حتى المعلمين، مما يزيد من صعوبة الاكتشاف، ويضاعف حساسية المواجهة.
ما هو التحرش الجنسي بالأطفال؟
التحرش الجنسي بالأطفال هو أي سلوك جنسي موجه للطفل دون علمه أو موافقته. قد يكون ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، لفظيًا، بصريًا، جسديًا، أو عبر الإنترنت.
ويتضمن هذا السلوك عدة أشكال، منها:
اللمس غير اللائق للأعضاء الحساسة، أو إجبار الطفل على لمس جسد المعتدي.
الإيحاءات الجنسية سواء بالكلام أو الحركات.
التعري المتعمد أمام الطفل.
عرض أو إرسال مواد إباحية إلى الطفل.
الاستغلال الجنسي الرقمي (Cyber Abuse) كإرسال صور، أو الدخول في محادثات جنسية عبر الإنترنت.
لماذا يقع الطفل ضحية لهذا النوع من الانتهاك؟
هناك عدة أسباب تجعل الأطفال أكثر عرضة للتحرش، من أبرزها:
قلة التوعية: كثير من الأطفال لا يدركون ما هو سلوك طبيعي وما هو غير مقبول.
الثقة الزائدة في المحيطين بهم من الأقارب والمعارف.
الخوف من التهديد أو الفضيحة، خاصة عندما يكون المعتدي شخصًا قريبًا أو ذا سلطة.
انعدام ثقافة الحوار داخل الأسرة، وعدم وجود مساحة آمنة للطفل للتعبير عن مشاعره.
غياب الرقابة على المحتوى الرقمي، وما يتعرض له الطفل عبر الإنترنت.
كيف يمكن للآباء حماية أطفالهم؟ خطوات وقائية عملية
الحماية تبدأ من داخل المنزل، وهي مسؤولية لا تقبل التأجيل أو التراخي.
وقد أكدت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) على أهمية اتباع نهج وقائي منذ الصغر. ومن بين أهم هذه الخطوات:
التثقيف المبكر: لا تنتظر حتى يكبر طفلك لتحدثه عن جسده وحدوده. حتى الطفل بعمر 3 سنوات يمكنه فهم أن هناك مناطق في جسده لا يجوز لأحد لمسها.
الثقة والحوار المستمر: اجعل من نفسك مصدرًا للأمان، وليس للخوف. دع طفلك يشعر أنه يمكنه التحدث إليك عن أي شيء دون لوم أو تهديد.
الرقابة الواعية على المحتوى الرقمي: راقب الأجهزة الذكية، وتابع من يتواصل مع طفلك، وما يشاهده. لا تتجسس، بل كن حريصًا وحنونًا.
تعليمه قول "لا": درّب طفلك على أن رفضه لأي سلوك غير مريح هو حق مشروع، حتى لو صدر من شخص مقرب.
استخدام القصص والرسوم التوضيحية: استخدم الأدوات البصرية لتقريب المفهوم بطريقة ملائمة لعمره.
تحديد قواعد واضحة في البيت: مثل عدم السماح لأي شخص بدخول الحمام مع الطفل، أو النوم بجانبه دون سبب مقنع.
دور الأهل في التوعية
من الخطأ أن نخجل من تعليم أطفالنا حماية أجسادهم.
بل إن التوعية الجسدية السليمة هي خط الدفاع الأول ضد أي انتهاك.
ينبغي على كل ولي أمر أن يُجري حديثًا وقائيًا دوريًا مع أطفاله. ويمكن الاستعانة بالقصص والكتب المخصصة لهذا الغرض، مع تعليمهم التفريق بين:
"اللمسة الآمنة" كالاحتضان من الأم أو الأب.
و"اللمسة السيئة" التي تثير خوف الطفل أو discomfort.
إذا تعرض طفلك لتحرش: ماذا تفعل؟
أولاً: لا تصرخ ولا تُشعره بالذنب، بل احتضنه، وطمئنه، وامدحه على شجاعته.
ثانيًا: استعن بأخصائي نفسي للأطفال فورًا. التدخل المبكر ضروري.
ثالثًا: تجنّب الأسئلة الكثيرة أو التحقيق المطوّل، فذلك قد يعمّق الصدمة.
رابعًا: وفّر له بيئة آمنة، ولا تسمح له برؤية المعتدي مجددًا.
خامسًا: عزز ثقته بنفسه، وأشعره بأنه بطل لأنه تكلم.
العلاج النفسي بعد التحرش: كيف نعيد بناء الطفل من جديد؟
التعامل مع طفل تعرّض للتحرش يحتاج إلى:
صبر وتفهّم، لا لوم أو استنكار.
دعم نفسي متخصص، وأول خطوة هي التصديق الكامل للطفل.
من أفضل طرق العلاج:
العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد الطفل على فهم مشاعره وتجاوز الصدمة.
العلاج بالفن والرسم: وسيلة فعالة للأطفال الذين يواجهون صعوبة في التعبير بالكلام.
جلسات دعم أسرية: لتأهيل الأهل نفسيًا ومساعدتهم في احتواء الموقف.
المدرسة ليست مكانا فقط لتلقي العلم
المدرسة ليست فقط مكانًا للتعلم، بل يجب أن تكون أيضًا بيئة حامية وداعمة.
يجب تواجد مختص نفسي تربوي دائم.
إدماج برامج الحماية من التحرش ضمن المناهج الدراسية.
تدريب المعلمين على اكتشاف علامات التحرش المبكر، وطرق التعامل السليمة معها.
وأخيرا ، فالتحرش الجنسي بالأطفال ليس مجرد خطر نظري أو حالة نادرة، بل هو واقع مؤلم وصامت، يفرض علينا جميعًا مسؤولية التحرك.
إن الطفل لا يملك القدرة على حماية نفسه وحده، ومن هنا تأتي مسؤوليتنا نحن – الآباء، والمعلمين، والمجتمع – في أن نكون صوته، ودرعه، وملجأه.
التوعية، الحوار، والثقة هي مفاتيح الحماية الأساسية.
لا تخجل من الحديث مع طفلك عن جسده
لا تؤجل الحديث إلى وقت لاحق
لا تستهين بأي سلوك غريب قد يلاحظه طفلك
طفلك أمانة… وصمته لا يعني أنه بخير